الجمعة، 17 يناير 2020

تغيير الأفكار.. يجدد شباب الخلايا


عند الحديث عن العلاقة بين الصحة الجسدية والنفسية، كثيراً ما يتبادر للذهن تشبيه الإنسان بجهاز الكمبيوتر.. حيث الصحة الجسدية هي سلامة مادة الجهاز نفسه من الكسور والأعطال، بينما الصحة النفسية تشبه سلامة ما عليه من برامج وتطبيقات.. لكن هذا التشبيه لا يبدو دقيقاً، نظراً للتداخل العجيب بين الاثنين عند البشر.. فأفكارنا لها تأثير مادي ملموس على صحتنا الجسدية. سبب الشيخوخة من النظريات التي تفسر حدوث الشيخوخة، أن الحمض النووي داخل كل خلية لا يتجدد بالكفاءة نفسها.. بل يفقد -مع كل تجدد للخلايا- جزءاً مما يسمى التيلومير (الموجود في نهايات الكروكوسومات)، أي أن التيلومير في خلايا الشخص العجوز، أقصر من مثيله في خلايا الطفل الصغير.. وكلما كان التيلومير أقصر، تصبح الخلايا أقل كفاءة في أداء وظائفها مقارنة بالخلايا الشابة. ويرى باحثون أن المشاكل النفسية عند الأفراد تسبب بوجود تيلوميرات أقصر لديهم، وبالتالي حدوث الشيخوخة الخلوية المتسارعة.. وهو ما يجعل الجسم أكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري. فحين يربط الناس بين تزايد الهموم والشيخوخة المبكرة، لا يبدو كلامهم هذا بعيداً عن الدراسات الطبية! دراسة حديثة لمعرفة كيفية الحفاظ على شباب الخلايا، قام الباحث كريستوفر مانسون وزملاؤه في قسم العلوم العصبية السريرية في معهد كارولينسكا في السويد، بإجراء تجربة شائقة كشفت الكثير عن هذا الأمر.. حيث جاؤوا بستة وأربعين شخصاً يعانون القلق الاجتماعي (أي الرهاب من الحديث أمام الجمهور أو التواصل مع الآخرين أو الحساسية المفرطة من أحكام الناس..) وجعلوهم يتلقون العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لمدة تسعة أسابيع عبر الإنترنت.. وتم أخذ عينات من الدم قبل وبعد انتهاء هذا البرنامج العلاج.. فماذا كانت النتيجة؟ مقاومة الأفكار السلبية أفادت الدراسة -التي نشرت مؤخرا في دورية ترانسليشنال سايكايتري- بأن العلاج السلوكي المعرفي للمرضى الذين يعانون القلق الاجتماعي لا يساعد فقط في تقليل مستويات القلق لديهم، بل يبدو أنه يحمي أيضاً من الشيخوخة الخلوية المتسارعة في أجسادهم، حيث زاد في دمهم مستوى مواد تساعد في الحفاظ على التيلومير من فقدان أجزاء منه مع تجدد الخلايا.. وبالتحديد، إنزيميّ التيلوميراز (الذي يساعد في إعادة بناء التيلومير) والجلوتاثيون بيروكسيديز (الذي يحمي الخلايا من الإجهاد التأكسدي)! تأتي أهمية هذه الدراسة من كون الوسيلة المستخدمة ليست دوائية ولا جراحية ولا مادية بالأساس.. بل إن «العلاج المعرفي السلوكي» يعتمد فقط على تغيير الأفكار والسلوكيات.. بمقاومة الأفكار السلبية التي تؤدي لزيادة القلق، واستبدالها بأفكار جديدة تساعد في اكتساب عادات أكثر إيجابية. يحاول الناس منذ قديم الأزل الوصول لنبع الشباب ومقاومة رياح الزمن.. وإلى اليوم، يتوقع مركز أبحاث أوربيس ريسيرش أن ينفق الناس نحو 331 مليار دولار سنوياً في شراء مستحضرات مكافحة الشيخوخة.. لكن يبدو أن هناك طريقة أخرى أكثر توفيراً وفعالية.. كن سعيداً، تجدد شبابك!

هناك تعليق واحد: